فصل: تفسير الآيات (53- 56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (53- 56):

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)}
قوله تعالى: {لأُوْلِي النُّهَى} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أولي الحكم.
الثاني: أولي العقل، قاله السدي.
الثالث: أولي الورع.
وفي تسميتهم بذلك وجهان:
أحدهما: لأنهم ينهون النفس عن القبيح.
الثاني: لأنه ينتهي إلى آرائهم.
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا} فيه وجهان:
أحدهما: حجج الله الدالة على توحيده.
الثاني: المعجزات الدالة على نبوة موسى، يعني التي أتاها موسى، وإلا فجميع الآيات لم يرها.
{فَكَذَّبَ وَأَبَى} يعني فكذب الخبر وأبى الطاعة.
ويحتمل وجهاً آخر: يعني فجحد الدليل وأبى القبول.

.تفسير الآيات (57- 59):

{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}
قوله تعالى: {مَكَاناً سُوىً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: منصفاً بينهم.
الثاني: عدلاً بيننا وبينك، قاله قتادة والسدي.
الثالث: عدلاً وسطاً، قاله أبو عبيدة وأنشد:
وإن أبانا كان حَلّ ببلدة ** سوى بين قيس قيس عيلان والغزر

الرابع: مكاناً مستوياً يتبين للناس ما بيناه فيه، قاله ابن زيد.
ويقرأ سُوى بضم السين وكسرها، وفيهما وجهان:
أحدهما: أن: معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
والثاني: أن معناهما، فهو بالضم المنصف، وبالكسر العدل.
قوله تعالى: {يَوْمُ الزِّينَةِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه يوم عيد كان لهم، قاله مجاهد وابن جريج والسدي وابن زيد وابن إسحاق.
الثاني: يوم السبت، قاله الضحاك.
الثالث: عاشوراء، قاله ابن عباس.
الرابع: أنه يوم سوق كانوا يتزينون فيها، قاله قتادة.

.تفسير الآيات (60- 64):

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
قوله تعالى: {لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً} فيه وجهان:
أحدهما: لا تفترواْ على الله كذباً بسحركم.
الثاني: بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر.
{فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ} فيهلككم ويستأصلكم، قال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف

فالمسحت: المستأصل،
والمجلف: المهلك.
{فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.
والثاني: فيمن يبتدئ بالإِلقاء.
{وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحراً فسنغلبه، وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.
الثاني: أنه لما قال لهم {وَيْلَكُمْ} الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر، قاله ابن منبه.
الثالث: أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، {إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} الآيات، قاله مقاتل والسدي.
الرابع: أنهم أسرواْ النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.
قوله تعالى: {قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ: إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل:
أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون:
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى ** مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما

والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث: أنه بَنَى (هذان) على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع: أن (إن) المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكى العواذل في الصبا ** ح يلمنني وألومُهُنّة

ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنْه

أي نعم.
{وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى} في قائل هذه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه قول السحرة.
الثاني: أنه قول قوم فرعون.
الثالث: قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.
وفي تأويله خمسة أوجه:
أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.
الثاني: ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.
الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد.
الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.
الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، [والمثلى مؤنث] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب:
وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى ** لتلتبسن أسيافنا بالأماثل

قوله تعالى: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.
الثاني: معناه أحكموا أمركم، قال الراجز:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع ** هل أغدوا يوماً وأمري مجمع

أي محكم.
{ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً} أي اصطفواْ ولا تختلطواْ.
{مَنِ اسْتَعْلَى} أي غلب.

.تفسير الآيات (65- 70):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}
قوله تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُواْ} الآية. في أمر موسى للسحرة بالإِلقاء- وإن كان ذلك كفراً لا يجوز أن يأمر به- وجهان:
أحدهما: إن اللفظ على صفة الأمر، ومعناه معنى الخبر، وتقديره: إن كان إلقاؤكم عندكم حجة فألقواْ.
الثاني: إن ذلك منه على وجه الاعتبار ليظهر لهم صحة نبوته ووضوح محبته، وأن ما أبطل السحر لم يكن سحراً.
وختلفوا في عدد السحرة فحكي عن القاسم بن أبي بزة أنهم كانواْ سبعين ألف ساحر، وحكي عن ابن جريج أنهم كانواْ تسعمائة ساحر، ثلاثمائة من العريش، وثلاثمائة من الفيوم، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية، وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنهم كانواْ اثنين وسبعين ساحراً، منهم اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كانواْ في أول النهار سحرة وفي آخرة شهداء.
{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يخيل ذلك لفرعون.
الثاني: لموسى كذلك.
{فَأَوْجسَ فِي نَفْسِهِ خِيِفَةً مُّوسَى} وفي خوف وجهان:
أحدهما: أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهمواْ أنهم فعلواْ مثل فعله وأنه من جنسه.
الثاني: لما هو مركوز في الطباع من الحذر. وأوجس: بمعنى أسر.
{قُلْنَا لاَ تَخَفْ} الآية. تثبيتاً لنفسه، وإزالة لخوفه.
قوله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} أي تأخذه بفيها ابتلاعاً بسرعة، فقيل إنها ابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي، ثم أخذها موسى ورجعت عصا كما كانت.
وفيها قولان:
أحدهما: أنها كانت من عوسج، قاله وهب.
الثاني: من الجنة، قاله ابن عباس، قال: وبها قتل موسى عوج بن عناق.
{فَأَلْقِيَ السَّحْرةُ سُجَّداً} طاعة لله وتصديقاً لموسى.
{قَالُواْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} أي بالرب الذي دعا إليه هارون وموسى، لأنه رب لنا ولجميع الخلق، فقيل إنهم، ما رفعوا رؤوسهم حتى رأواْ الجنة وثواب أهلها، فعند ذلك.

.تفسير الآيات (71- 73):

{قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)}
{قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} وقيل إن امرأة فرعون كانت تسأل: من غلب؟ فقيل لها: موسى وهارون. فقالت: آمنت برب موسى وهارون فأرسل إليها فرعون فقال: فخذواْ أعظم صخرة فحذَّرُوها، فإن أقامت على قولها [فألقوها عليها]، فنزع [الله] روحها، فألقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح.
{وَالَّذِي فَطَرَنَا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه قسم.
الثاني: بمعنى [ولا] على الذي فطرنا.
{فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ} فيه وجهان:
أحدهما: فاصنع ما أنت صانع.
الثاني: فاحكم ما أنت حاكم.
{إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَآ} يحتمل وجهين:
أحدهما: إن التي تنقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا، وتبقى الآخرة.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فيه وجهان:
أحدهما: والله خير منك وأبقى ثواباً إن أُطيع، وعقاباً إن عُصِي.
الثاني: خير منك ثواباً إن أطيع وأبقى منك عقاباً إن عُصِي.